الأحد، 16 فبراير 2014

أحدب وزارة الداخلية وحرية بنت دهب


رأيت في صورة الأم الصغيرة دهب التي تحمل " حرية " ابنتها الوليدة بيد بينما اليد الأخرى اسيرة اغلال القهر والقمع اختزالا قدريا لحال مصر المنحوسة حيث يسعى جزء من هذا الشغب اللي الحرية بينما يحاول الجزء الآخر استعذاب قيدا استعاده بعد ثورة يناير المبتورة .
ولكن التعليق الذي صرحت به هذه الام الصغيرة بعد قرار الافراج الصحي عنها بقيام أحد ظباط الشرطة بتهديدها بقوله انها ستبقى في السجن وستربى ابنتها الوليدة بداخله ، هذا الفعل جعلني اتذكر رائعة الكاتب فيكتور هوجو " أحدب نوتردام " التي تحكي عن ذلك المنبوذ الوحيد المشوه الذي انتُدب لقرع اجراس الكاتدرائية التي كانت معقلا للقهر في اوروبا القرون الوسطى ، فما الذي يجعل " الباشا " يهدد هذه الأم الصغيرة وهي على تلك الحال من آلام وضع قيصري واعراض نفاث ؟ بل واحدى يديها تئن من ظلم القيد ، هل هكذا يستوي نفسيا هذا " الباشا " ، هل بهذا التهديد تتصالح ذاته وتتسق وتتوازن ؟ هل يرضي غروره بث الرعب داخل نفس  هذه الام الصغيرة بأن يبشرها بمصير اسود ينتظرها هي وابنتها ؟ هل هذا هو عمل النجوم والنسور الموضوعه على كتفيه مزينة حُلته الميري ؟ هل هكذا تفهم الرجولة يا حضرة الضابط ؟ ام هكذا تمارس السلطة ؟!!
بتواتر انباء التعذيب الكريهه المنبعثه من داخل المعتقلات في مصر والتي لا يوجد الآن مثيل لها في عالم القرن الواحد والعشرين بدأت افكر بطريقة مختلفة في شخصية ضابط الشرطة المصري ، طريقة تختلف عن تلك التي تشتكي وتشجب وتستنكر ، بدأت احاول فهم هذه التركيبه النفسية المتجرده من بديهيات السلوك الآدمي ، والملامح الانسانية ، وبدأت اسأل نفسي ، الم يكونوا زملاء لنا حتى الدراسة الثانوية ثم تغيرت النظرة في عيونهم بعد أول 45 يوم قضوها في كلية الشرطة ، ومع الوقت ابتعدوا تماما حتى انعزلوا ، ربما في احد ابراج كاتدرائية قهر  السلطة كما حدث للمشوه أحدب نوتردام بطل رواية هوجو الشهيرة .
بل لقد تذكرت قصة مرت بي منذ عشرين عاما ، حيث كان لأخي الذي يصغرني صديق فقد والده لواء الشرطة في حادث ترك اثارا بشعه على وجه هذا الصديق ، كان الجميع يبتعدون عنه ، في الواقع يخشون النظر الى ملامحه التي كانت بالفعل على قدر كبير من البشاعه ، حاول اخي التقرب من هذا الفتى بدوافع انسانية بحته ، وحين رأيته للمره الاولى كان يتعمد وضع احدى يديه امام نصف وجهه لتخفي اثر التشوه طوال حديثه معي ، فقررت مساعدته بعد ما تألمت كثيرا لاجله ، اخبرته ان العاهه تتحقق فقط حين تسيطر على الانسان من الداخل ، وانه يجب ان يواجه الناس بوجهه هذا دون ان يشعرهم بانه عيب يسيطر على وجدانه بأن يقهر هذا التشوه بداخله ، وامعانا في كسر هذه العقده اقنعته بالظهور على المسرح في احدى المسرحيات التي كنت اقدمها في ذلك الوقت بعد ان اخبرته بانه ان استطاع مواجه الجمهور بهذا الوجه فلن يخشى مواجه اي شخص بعد ذلك ، وبالفعل حدث ذلك وشارك كواحد من " الجوقة " في احدى عروضي المسرحية .
كان اخي ايضا كثيرا ما يستقبله للنوم في منزلنا اثناء خلافه مع والدته بخصوص عمليات التجميل التي كان يخضع لها كل بضعه شهور لاصلاح وجهه ، حتى استطاعت عمليات التجميل – وقد علمت ان وزارة الداخلية ساهمت كثيرا في نفقاتها – في تحسين تشوهات وجهه بنسبة 95 % أو ربما يزيد ، والمفاجأة انه التحق بكلية الشرطة .
عامين أو ثلاثه مضوا لا اذكر على وجه التحديد وكنت في زيارة الى منزل عائلتي القريب من منزل هذا الشاب فقابلته في الطريق عائدا في اجازة من كلية الشرطة برفقة احد زملائه الطلاب وكانت سعادتي لا توصف حين رأيته باللباس الميري فسارعت بالنداء عليه وتوجهت لمصافحته بوجه متهلل ولكنه قابل هذا كله بفتور لا يوصف ، واستعلاء مصطنع كنت سأنفجر ضاحكا بسببه ، وحين سألت اخي الاصغر عن هذا وكان قد التحق بطلية الهندسة قال لي : انه اصبح شخص آخر بمجرد دخوله كلية الشرطة وان صداقتهما انتهت تماما بناء على رغبته .
عندها تيقنت ان شيئا ما يحدث داخل كلية الشرطة يشوه النفوس والارواح ، فالدعم النفسي الذي قدمته انا واخي لهذا الصبي كان صادقا وابتغاء لمرضاة الله وتطبيقا لابسط قواعد الانسانية ، والتحول الذي بدا عليه بمجرد التحاقه بكلية الشرطة كان ايضا ضد ابسط قواعد الانسانية التي تمتن دون شك لاصحاب الايادي البيضاء وقت المحن دون انتظار مقابل .
الجمال الصافي في رواية فيكتور هوجو والذي مثلته شخصية ازميرالدا هو الذي جعل المشوه احدب نوتردام يكتشف افضل ما بداخله ، ويخوض حربا من اجل العدالة والانسانية وينتصر فيها على الجميع وفيها تتضح ملكاته ومهاراته ، فما الجمال الذي يحتاجه ابناء مصر من ضباط الشرطة حتى يكون اتساقهم النفسي يحدث دون الحاجة الي بث الرعب داخل نفس ام صغيرة مقيدة في الاصفاد وقت النفاس ، اللهم جمال الهداية والدين والقرب من الله وحده الذي من شأنه اصلاح هذه التشويهات داخل نفوسهم ، فيعود ضابط الشرطة محبوبا كما كان في الماضي حيث عبر عنه الفنان أنور وجدي في السينما اروع تعبير ، واعتقد ان انور وجدي لو كان بين ظهرانينا ما كان ليمثل دور ضابط الشرطة وكان سيترك هذه الادوار للمليجي او زكي رستم وغيرهم ممن برعوا في تقديم ادوار الشر .
اللهم اهدى ضباط الشرطة في مصر
فأنت المعين ومنك الرشاد
حسام الغمري


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق