كثيرا ما كنت انظر للاسلوب الذي كانت يكتب به المؤرخون العرب كالسيوطي وابن
كثير الذين تناولوا تاريخ الخلافة الاسلامية باعجاب شديد ، وفي السطور التالية
سأتخيل ان واحدا منهم بُعث ليؤرخ ما صرنا اليه بعد مرور اعوام على هذا العبث الذي
نعيش فيه ، ولعله سيقول :
" وذكر في الأثر ان الشباب في مصر المحروسة قد هبوا على حاكمهم الذي
طال بقاءه على عرش البلد ظالما احوال العباد ، هاملا امر الدين ، لمدة ثلاثين عاما في يوم عيد شرطته مطالبينه
بتحسين المعاش والحقوق الانسانية التي تكفلها الاديان والاعراف الدولية ، ولكن هذه
الشرطة اسرفت في قمع هؤلاء الشباب فمات من مات واصيب من اصيب واعتقل من اعتقل وانا
لله وانا اليه راجعون ، ففوجيء هؤلاء الشباب ان رئيسهم لا يترحم على قتلاهم ، ولا
يذكر ما حدث لهم متبوع بالأسف في خطابه الذي اقال فيه حكومته مضطرا ، ففار الدم في
العروق ، وبلغ الغضب مداه ، والحنق مُنتهاه ، وتحول الهتاف الى يسقط يسقط حسني
مبارك ، ولبثوا في اعتصامهم حتى تحقق غرضهم ، وخرج عليهم احد قادة جيشهم وعظم
للشهيد ، وصار اليوم عيد وعمت الفرحة ارجاء المحروسة ، وانصراف الشباب في امل خلاب
.
ثم كان العجب العجاب ، وظل الخراب ، وعاد القتل من جديد اثناء حكم المجلس
الذي ضم هذا القائد الذي عظم للشهيد ، في مجلس الوزراء ومحمد محمود والعباسية
واستاد بورسعيد ، وما عاد يُعظم للشهيد ، واختفت من المحروسة ملامح العيد ، فخرج
الناس يهتفون بسقوط حكم العسكر ، واجبروا كبيرهم على اجراء انتخابات رئاسية ،
آملين في رئيس يُعيد الحقوق ، وينشر العدل والأمن في ربوع مصر المحروسة من بعد كرب
السنين العجاف التي اهلكت الزرع والنسل ونشرت الفساد في ربوع المحروسه كما ينتشر
الطاعون في اجساد البقر .
وبالفعل جاء هذا الرئيس بعد شهور ، وحاول تتبع لغة الأولين في خطابه الأول
وذكر الاهل والعشيرة ، فصار الجهلاء في حيرة ، وظنوا انه يختص جماعته التي دعمته
وساندته ، وصار هذا الرئيس على درب الحرية ، فترك للجميع حق الكلام ، فسفهه اللئام
، وصوروه امام العامة نذير شؤم وخراب ، وان سنين حكمه عتمة او ضباب ، رغم انه حاول
تحسين الغذاء والاستكفاء من السلاح والدواء ، ومكر عليه اليهود الملاعين ،
فافتعلوا حربا ضد المسلمين المحاصرين في غزة الابيه ، فخرج هذا الرئيس بخطاب شديد
، كال لهم بالوعيد ، وذكر بالحنين الى بيت المقدس ، وارسل رئيس وزرائه لدعم اهل
غزة وهي تحت القصف ، وفتح المعابر للدعم القطري ، وتحدى ارادة المُتسلط الاميركي ،
فانكشف لهم ما في قلبه من صدق النيه على استعادة الحقوق الاسلامية ، فاستعانوا
بالعملاء المأجورين ، لتنسحب الكنائس من لجنة الدستور وحرب غزة مازالت حامية
الوطيس ، وفي اعقابهم انسحب السياسي المشهور الذي كان قد خط بعض المواد بقلمه المأجور
، وانسحب كذلك العلمانيون والليبراليون ، وتآمر القضاء على الرجل لعرقله هذا
الدستور ، الذي كان يحلم ان تنبعث منه قوانين تهذب فوضى الحياة التي احدثها حكم
العسكر لعقود ، فجعلت من القضاء وراثه ، ومن الشرطة كلاب حراسة ، ومن الاعلام سوق
نخاسة ، فاراد الرئيس ان يحصن دستوره وقد غره خروجه من ازمة غزة بنصر سياسي اعاد
للقاهرة هيبتها في سائر العواصم والبلدان ، فاُخذ الرجل من حيث امن بسبب الغرور ،
وتحالف السياسيين مع العسكر ومن خلفهم مندوبة الاميركان اتباع اليهود ، وبدأ تكثيف
بث السموم للشعب المكلوم ، الذي اشعروه ان محبوبتهم مصر تئن تحت خطر محدق ، وخراب
كاسر محلق في الاجواء ، فخرج الشعب على حاكمة المنتخب ديمقراطيا ، وحمل الشرطة
التي لطالما اهانته على الاعناق ، وهو الذي كان خروجه الاول ضدها ، ولا حول ولا
قوة الا بالله ، ووفر هؤلاء الخارجين الغطاء لعودة حكم العسكر الذي طغى وتجبر ،
ورد الدين بالجراح ، واطفأ الافراح ، واستبدل الجهل بالعلم ، ففتحت السجون حتى
اكتظت بالموحدين ، واصبح القتل في شوارع مصر المحروسة ايسر من شرب عصير القصب ،
ويال العجب ، استمروا يبررون ، ويستمرئون قتل الخصوم ، وكون الجيش حكومة من
العواجيز ، تأتمر بأمره ، وتنتهي بنهيه ، فعطلت الدراسة المره تلو المره ، واستعلت
عليها اثيوبيا ، وحذرت العامة من دميه دُعيت فاهيتا تتآمر على آمنهم ، ووجدت وزيرة
الصحة الحل لعلاج الامراض المستعصية ان تأمر الاطباء بهش القطة ، ولا حول ولا قوة
الا بالله ، واعلن وزير التجارة افلاس مصر وبدء العسر ، وحارب وزير الرياضة لاعبيه
، واستأسدت الشرطة على النساء ، وكبلت المرأة في آلام النفاس باقسى الاغلال ، واغتُصب
الفتيات في السجون ، وحرق الشباب في سيارات الترحيلات ، وانا لله وانا اليه راجعون
، وكانوا بذلك ينتقمون من الشعب الذي ثار ضدهم على الرغم من انه عاد وعلى الاعناق
حملهم ، واستمر النفاق في الاعلام ، وعاد الى الصورة الافاعي اللئام ، اعوان
اليهود ، من باعوا الغاز وخانوا الجنود ، وصارت مصر التي بهرت العالم بثورتها
اضحوكة الامم ، كما بشر الشيخ ذو الفطنة و الشمم ، وانجلى تآمر الاعراب في
الامارات ، مندوبون عن حكومة آل سعود اصل الفساد ، عليهم جميعا من الله ما يستحقون
، ولا حول ولا قوة الا بالله ، ومات الشباب على الجبال دون نجدة تنقذهم ، ومنهم من
فوض من قبل كبير العسكر للحرب على ارهاب محتمل ، واكتشف الشعب المفوض ان طائرات
جيشه لا يمكن ان ترتفع لانقاذهم ، لان من صنعها ارسلها فقط لقمعهم باموالهم ،
وكانوا قد وعدوا ان يظلوا في القلب ونور العين ، وان يجدوا من يحنوا عليهم ، فشعر
البعض منهم بمرارة الخديعة ، وظل البعض الآخر يكابر من اجل الكيد والعناد ، وانا
لله وانا اليه راجعون "
ربما كانوا سيكتبون بهذه الطريقة بعد عقود من الآن ان كانوا على قيد الحياة
، ربما سيسخرون اكثر وأكثر من شعب به ملايين تعشق حياة الذل والعبودية ، وتشعر
بالحرج ان هبت عليها نسمات الحرية ، وتكيد للهوية الاسلامية ، والى الله المُشتكى
.
حسام الغمري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق