الأحد، 27 أبريل 2014

هل يعرف تحالف دعم الشرعية لعبة الشطرنج ؟!!



" لو كان السادات قد طلب مني اي شيء مقابل طرد الخبراء الروس لأعطيته ولكنها السياسة التي تجعلك لا تدفع ثمن شيء حصلت عليه بالفعل "

هذه العباره لليهودي داهية السياسة الخارجية الامريكية ومستشارها الدائم للأمن القومي هنري كسينجر ، وهي برغم بساطتها تصحبك مباشرة الى اهم اسرار عالم السياسة ومفاتيح فهمها وسبر اغوارها ، بالطبع هو قالها بعدما قام الرئيس السادات بطرد الخبراء الروس فجأة بعد ايام من لقائه  مع كمال ادهم رئيس مخابرات آل سعود في ذلك الوقت ، المهم ان هذه الخطوة كانت انتصارا هائلا للسياسة الاميركية لم تدفع شيء مقابل الحصول عليه ، لانها ببساطة حصلت عليه بالمجان !!

ولعبة الشطرنج مرتبطة تاريخيا بالسياسة والسياسيين ، بل ان اشهر خططها عند العامة تسمى خطة نابليون ، وهي وان كانت شديدة البدائية بالنسبة لمن قرأ في فنون لعبه الشطرنج ومارسها باحترافية ، الا انها تشير بوضوح الى الرابط بين اللعبة وعالم السياسة ، فالشطرنج صراع بين ارادتين ، صراع غير عادل لان اللاعب الابيض له اسبقية النقله الأولى اي اسبقية توجيه قواته لضرب الخصم ، ودعونا نتخيل مثلا ان هذا ما فعله السيسي يوم 3 يوليو بعزله لاول رئيس مصري منتخب ، وبالتالي يكون دور اللاعب الاسود هو الدفاع لامتصاص تأثير هذه النقله ومن ثم التهيؤ للهجوم ، وبالتالي يجب ان تكون نقلات اللاعب الاسود بالضرورة ثنائية الغرض دفاعا وهجوما او على الاقل تمهيد للهجوم .

اتفق كافة فقهاء لعبة الشطرنج ان المربعات الاربعة التي تكون في وسط الرقعه هم الاكثر اهمية على الاطلاق ، بأهمية عاصمة الدول مثلا ، لذا فإن اللاعب الذي يسيطر على وسط الرقعة اولا بالضرورة يكون هو الفائز ، لذا كانت افتتاحيات الشطرنج التقليدية تدفع ببيدق " عسكري " الملك خطوتين للامام ، أو بيدق عسكري الوزير هكذا لاحتلال وسط الرقعة مباشرة .

ثم تطور فكر فقهاء هذه اللعبة الرائعة بعدما وجدوا ان الاسراع في احتلال وسط الرقعة يجعل قطعك هناك معرضه للتكسير وهي التي لا يمكن تعويضها حسب قوانين اللعبة ، فوجدوا ان التفكير الانضج هو الضغط على وسط الرقعة من بعيد بحيث انك اذا ما وضعت قطعه بعد ذلك في وسط الرقعه لا يستطيع الخصم تكسيرها لان هناك قطعا في الخلف تحميها ومستعده ان تحل محلها حال تكسيرها ، فاصبحت الافتتاحيات الجديدة ، حصان 3 فيل ملك ، حصان 3 فيل وزير .. وهكذا ...

وهناك ثلاثة أمور في غاية الاهمية يجب على اي لاعب شطرنج ادراكهما ، الامر الاول وهو امر بديهي يختص بالوزن النسبي للقطع ، اي ان الحصان اهم من البيدق ، والرخ اهم من الحصان ، والحصان يتساوى في الاهمية مع الفيل في بعض المواقف ، وفي مواقف اخرى يكون للفيل اهمية مطلقة ، والوزير اهم القطع جميعا والكل مسخرون لحماية الملك – الهدف – ثم تحطيم جيش الخصم والقضاء على ملكه .

والأمر الثاني البالغ الاهمية الذي يميز لاعب عن آخر ، وكم من الادوار في البطولات العالمية نجد ان لاعبا قد استسلم دون ان يكون قد خسر قطعة واحده ولكنه ادرك انه خسر عنصر هاما شديد التأثير ، الا وهو عنصر الوقت ، وبالتالي باتت هزيمته مؤكده ولا مجال لاستمرار اللعب حتى وان كان جيشه كاملا .

ولشرح عنصر الوقت في لعبة الشطرنج دعونا نقول انه للحصول على قطعة من جيش الخصم يجب ان يكون حشدك في مواجهة المربع الذي تقف عليه هذه القطعة اكبر من حشد خصمك ، فللحصول مثلا على بيدق يحميه حصان يجب عليك ان تهاجمه ببيدق وحصان وفيل مثلا ، فيسقط هذا البيدق بالمجان فيحدث لك التفوق ، ولا يستطيع اي لاعب الوصول الى هذا الموقف الايجابي الا حين تكون جميع نقلاته مباشرة صوب الهدف الذي حدده لنفسه ووفقا للخطه ، فالنقله الواحده التي لا تخدم الخطة تجعلك خاسرا للوقت وتمنح خصمك التفوق رغم ان قطعك كلها مازالت فوق الرقعة ، ولكنك حركت احداها حركة على الاقل بلهاء لا تشكل اي ضغطا على خصمك فتكون قد خسرت بسبب اضاعتك للوقت في مقابل تحركات خصمك التي تخدم خطته مباشرة فيسطر بسرعة على المربعات الهامة في الرقعة فتتهاوى بعدها قطع مضيع الوقت هذا فيصبح الطريق الى ملكه مفتوحا ، بالطبع كما حدث لمرسي يوم 3 يوليو حيث كان الحشد ضده اسبق من حشده الذي جاء متآخرا جدا وغير فعال فلم يستطع انقاذه .

اذن الهدف الاساسي الاولى لتحركات اي لاعب شطرنج محترف هو الضغط على وسط الرقعة وبعدها اختيار من اي الجناحين سيهاجم ، جناح الملك ام جناح الوزير ، ولاعب الشطرنج البارع يدرك ان الهجوم الفاشل يعني نهايته ، وهكذا يمكن ان يخسر اللاعب الابيض على الرغم من انه هو الذي بدأ هجومه عن طريق دفع احدى قطعه للضغط على وسط الرقعه كما شرحنا ، واللاعب الاسود البارع يدرك ايضا انه اذا خسر وقتا اثناء هجومه المضاد عن طريق حشد القطع ببطء أو في الجناح الخاطيء او حشدها بحيث لا تشكل اي ضغط حقيقي على اللاعب الابيض ، او حتى تشكل عليه ضغطا ولكن يمكن احتماله أو الصبر عليه ، فهو مهزوم لا محاله ، ولا عذر لللاعب الاسود الغبي الذي سنحت له فرصة قراءة خطة خصمه اللاعب الابيض من نقلته الاولى الذي بدأ بها ، فبات مكشوف الهدف والوسائل .

اي ان لعبة الشطرنج تعتمد على حشد القطع حشدا ايجابيا في اسرع وقت ممكن ، بمعنى اقل عدد من النقلات لتشكل ضغطا على الخصم لا يمكنه احتماله ، وفي هذه الحالة تبدأ مفاوضات التسليم ، وان كابر فانه يعاقب بــ " كش مات " ، ويجب في هذا الصدد الا نغفل النقطة الثالثة الهامة في لعبة الشطرنج وهي المناورة ، فان كنت تنوي الهجوم مثلا من جناح الوزير فيجب ان تحشد قطعك بالمرونه والذكاء التي تجعل خصمك لا يستطيع تحديد مكان هجوم الكبير على وجه اليقين ، وايضا تُمكن قطعك المهاجمة من الانتقال بسولة ويسر من جناح لآخر لاستغلال نقطة ضعف جديدة تظهر ، او لخلق ضغوطات جديدة على الخصم ، او لوقف هجومه المضاد في الاتجاه المعاكس ان هو قرر صد الهجوم بهجوم .

ووقفا لمقولة كسينجر التي بدأت بها هذا المقال ، فمن الغباء ان يتوقع اللاعب الاسود من اللاعب الابيض ان يبدأ معه مفاوضات التسليم دون ان يكون قد وجد ضغطا لا يحتمل او فقد قطعا كبيرة تخل بميزان القوى لديه ، ولا يمكن ابدا للعب الابيض ان يعوضك وقتا منحته اياه بالمجان بسبب سوء اختياراتك وغباء  قراراتك .

وبعد هذا الاستعراض الذي ارجوا الا يكون مُملا بتوفيق من الله لقارئي العزيز ، فهلا تساءلتم معي بعد قراءة وتحليل الاوضاع في مصر ان كان تحالف دعم الشرعية يعرف شيئا عن لعبة الشطرنج ؟  

حسام الغمري




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق