من يقرأ مُذكرات قادة حرب 73 العظام كالشاذلي
والجمسي يُدرك ان افراد وضباط القوات المسلحة بعد حقيقة يونيو 67 – ولا اسميها
نكسة – لانها كشفت حقيقة الحقبه الناصرية ، وكانت نتيجة منطقية لها وليست انتكاسة
نهضة حقيقية كان يدعيها اعلامها ، فكان ضباط الجيش بعدها يهربون من المجتمع المدني
الذي امطرهم بالتعليقات الساخرة والنكات بسبب انسحابهم المخزي من سيناء ، وكانوا
يتمنون اللحظة التي يتمكنون فيها من العبور كي يصححوا الصورة السلبية التي كونها
عنهم الشعب وبلورها بنكاته اللاذعة لدرجة ان الضباط كانوا يغادرون ثكناتهم باللباس
المدني حال خروجهم لقضاء اجازاتهم المعتادة اخفاء لهويتهم العسكرية وما أشبه
الليلة بالبارحة .
وبعد سنوات استطاعت آلة السادات الاعلامية ،
واقواها على الاطلاق فصاحته واداءه الصوتي المُعبر اثناء خطاباته من تضخيم معركة
73 ، وتصوير انجاز القوات المسلحة بالانجاز المُبهر المعجز حتى صار لنا درع وسيف بوصف
السادات ، ولست هنا بصدد التقليل مما حدث في 73 حتى تدخل السادات بقراره المُريب
لتطوير الهجوم شرقا بحجة تخفيف الضغط عن دمشق مما اخل بخطة الشاذلي العسكرية وأخل بالتوازن
العسكري على جانبي القناة فمهد السادات بقراره العجيب حدوث الثغرة ولست ايضا بصدد
المبالغة في تضخيم ما حدث ، ولكن تتجلي الريبة عندي بسبب اليوم الذي اختاره السادات
للحديث عن الانتصار بعد صمت طويل والذي هو نفس اليوم الذي اختارته جولدا مائير
لتخبر العالم ان الاسرائيليين يقاتلون في افريقيا لأول مرة ، اي ان السادات اختار
يوما للتباهي ستتغير بعده مباشرة دفه القتال ضد جيشه ، وكأنه كان يعلم مسبقا السيناريو
المعد للتسويق عربيا وعالميا !!!
المهم ان اعلام السادات ضخم بشكل مبالغ فيه
معركة اكتوبر لصالح ضباطه المقربين ، فاستعادت القوات المسلحة مكانتها في قلوب
المجتمع المدني وكفت الالسنة عنها ، بل انبرى الشعراء والمطربين في تمجيدها
ولحقتهم السينما بأفلام مازالت اذكرها لاني من الجيل الذي نشأ ينتظر اللحظة التي
يعرض فيها التلفاز احداها ، ولكني عندما كبرت ادركت رداءه مستواها الفني وابتعادها
كثيرا عن الحقائق التاريخية والعسكرية .
وطوال حكم مبارك استطاع ابو غزاله بشخصيته
التي توحي بالنُبل ان يحتفظ للجيش بنفس المكانه في قلوب المصريين ، اما طنطاوي -
الذي ربما يكشف التاريخ القريب الكثير عن ادوار هذا الداهية الماكر الذي خدعنا
جميعا – اسطتاع ان يبعد الجيش تماما عن مخيلتنا ولا أقول فقط السنتنا ، فكنا نلعن
كل شيء في نظام مبارك الا الجيش الذي لم نذكره الا يوم جمعة الغضب ، وبعد التحية
العسكرية التي اداها احد اعضاء المجلس العسكري للشهيد دمعت اعيننا من فرط المشاعر
التي تدفقت فجأة مستعيدة ذكريات حب قديم لهذا الجيش ، واعترف اني ممن خدعوا في
المشير طنطاوي رغم سابق تجنيدي في ذلك الجيش ورصدي للكثير والكثير بداخله واحتفظ
بما رصدت لنفسي حرصا وحبا واحتراما لفكرة وجود جيش لنا سيحارب من اجل هويتنا
وكرامتنا وحقوقا ذات يوم دون شك بعد انجلاء الغمة باذن الله ، واعترف اني كتبت في
مدح طنطاوي الذي انتصر لارادة المصريين بعد تنحي مبارك مباشرة ، والعجيب ان صديقا
كان لدي من اتباع الصليب عاتبني على هذا المقال الذي يمدح طنطاوي واظهر في عتابه كرها
كبيرا للجيش حتى قبل حدوث مجزرة ماسبيرو ، ويال العجب العجاب من تحول هؤلاء الذين
احتشدوا يوم 30 يونيو لاستدعاء الدبابة التي سحقت رؤسهم في ماسبيرو وغيرها .
ورغم مجازر حكم طنطاوي في محمد محمود
وماسبيرو ومجلس الوزراء الا ان هتاف يسقط يسقط حكم العسكر لم ينل تماما من هيبه
العسكر وتقدير الشعب لهم حتى استيقظنا على الهاشتاج المسيء للسيسي ، والسرعة
الصاروخية التي ميزت التفاعل فيه ، والشهرة العالمية لهذا الهاشتاج ، والتي نالت
يقينا من الرجل ، ولعل انصاره الآن يتمنون لقب " الخرفان " لأنفسهم وهم
الذين اطلقوه على الاخوان المسلمين لأنه اهون دون شك من لقب " المــ.....
" انصار " الــ .... " كما يؤكد الملايين الذين تفاعلوا مع هذا
الهاشتاج .
ولست هنا بصدد تقييم هذا الهاشتاج اخلاقيا
وان كنت بالفعل لا استخدم هذا اللفظ المسيء في حياتي الخاصة او العامة حبا في عفه
اللسان وانا من المتشددين في ذلك بحكم النشأة ، وهي من شيم المسلم الأصيلة دون شك
، ولكني أؤكد انه عمل سياسي شديد القوة والتأثير ولا شك يعكس حنكه من اطلقه
ومعرفته الأكيده بالخصائص السيكلوجية للشعب المصري ، ثم جاءت وزارة الداخلية (
بذكائها المعروف عنها ) لتمنح هذا الهاشتاج الذي يستحقه من مجد ، لتمنحه الشرعية
الثورية حين اعلنت انها تتعقب المشاركين فيه !!!!
ولعل قوة هذا الهاشتاج ليست فقط في قدرته على
النيل من السيسي وانصاره ، بل في رفع معنويات الثوار الاحرار ، واعادة رسم ملامح
ثورتهم ، وايضا خفض معنويات الطرف الآخر ، وبالتدريج سيشعر انصار السيسي بالخزي
حال اعلانهم عن ذلك ، ولعل الايام التالية حُبلى بالمفاجآت ، فلا احد يمكن ان
يتخيل ان يعتلي عرش مصر من اشتهر عالميا بمثل هذا اللقب .
ومكر الله ادهى وأمر
حسام الغمري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق