مصر لما تخــــــــــون
دم العرب بيهـــــــون
مازال الناصر
صلاح الدين الأيوبي يحتفظ بمكانة عالية في وجدان المسلمين العرب رغم انه كُردي
الأصل لا لسبب غير نجاحه في استعادة بيت المقدس من الصليبيين بعد 90 عاما من
اغتصابها ، ولأن هناك من تعمد تغييب تاريخنا العربي والاسلامي عن المدارس وعن
وسائل الاعلام سواء الحكومية أو المواليه لها ، لذا تجد الكثيرين لا يعلمون كيف
كان موقف مصر طوال مده اغتصاب الأقصى قبل ان يأتي اليها الناصر صلاح الدين الذي
استعاد مصر قبل ان يستعيد الأقصى ، بل نستطيع ان نجزم بأنه لولا عودة مصر لما عاد
الأقصى ، وكأنه بضياع مصر تضيع المقدسات وتنتهك الحرمات ، وما أشبه الليلة
بالبارحة .
فالتاريخ يخبرنا انه في سنة 491 هـ
(1098م) تمكن الصليبيون من تأسيس أول إمارة لهم في ارض الإسلام ، وهي إمارة الرها
( بين الموصل وحدود الشام ) ، ثم استطاعوا في نفس العام تأسيس إمارتهم الثانية وهي
إمارة أنطاكية ( شمال غرب سوريا ) ، و رغم المقاومة التي أبداها السلاجقة الاتراك الذين
كانوا يحكمون آنذاك بلاد الشام كانت الدولة الفاطمية تراقب الوضع عن كثب ، لا
لنصرة المسلمين كما هو المأمول والمرجو والمتوقع ، أو لتقديم العون للسلاجقة
للتصدي للصليبيين و هذا اضعف الايمان ، إنما كانت المراقبة لأمر آخر لطخهم بالعار حتى
يومنا هذا ، وهذا العار هو أخشى ما اخشاه ،
لانه شديد الشبه بما نراه اليوم من حكومتنا الانقلابية !! التي لا تلبث تكيل
الاتهامات لغزة الصابرة واهلها المقاومين - بعض هذه الاتهامات كانت سببا في سخرية
المراقبين الدوليين – كما تعالت النبرات التي تتوعد بالحرب على بعض منا يقاوم وحده
رغم غدر الحصار بعد ان الصقوا به تهمة الارهاب !!
حيث يقول د. محمد طقوش : في الوقت الذي وصلت فيه
طلائع الحملة الصليبية الأولى إلى بلاد الشام كان الوزير الفاطمي الأفضل قد تحكّمت
فيه روح العداء للسلاجقة المقاومين في بلاد الشام ، لذلك لم يتحمس آنذاك لفكرة
الجهاد ضد الصليبيين ، وربما رأى بعض أركان الدولة في هؤلاء الغزاة درعاً يحميهم
من خطر السلاجقة .
وكان على رأس الدولة الفاطمية آنذاك المستعلي
بالله الفاطمي ، وكان الوزير الأفضل بن بدر الجمالي هو صاحب السلطة الفعلية في
الدولة وقائد الجند ، إذ أن الدولة الفاطمية عاشت سنوات طويلة في ظل تسلط الوزراء
وسيطرتهم على مقاليد الأمور .
وأثار موقف الوزير "الأفضل" – كما تخبرنا
الكتب - من حصار الصليبيين لأنطاكيا ، وتخاذله عن نجدة المسلمين فيها استياء معظم المسلمين
، بمن فيهم المؤرخون الذين يميلون في العادة إلى تسجيل الوقائع والأحداث بشكل مجرد
دون التعليق أو إبداء الرأي ، لكن التقاعس والتخاذل بلغ حدّاً جعل المؤرخ المصري
ابن تغري يقول : ولم ينهض الوزير الأفضل بإخراج عساكر مصر ، وما أدري ما كان السبب
في عدم إخراجه مع قدرته على المال والرجال
.
ويشرح ابن تغري ايضا كيف خرجت عساكر المسلمين في
العراق وبلاد الشام لصد زحف الصليبيين قائلا : كل ذلك وعساكر مصر لم تُهيّأ للخروج
واكتفت بقمع المصريين في الداخل ومنهم من طالب باعلان الجهاد على الغازي
المحتل .
و لم يكتف الوزير الأفضل بهذا ، أي انه لم يقف عند
هذا الحد ، وبدلاً من أن يجيّش الجيوش لصد المعتدين ، أرسل سفارة إلى الصليبيين
بينما كانوا يحاصرون أنطاكية ، وتفيد بعض المصادر الصليبية بأن الوزير الأفضل
عندما رأى حصارهم لأنطاكية قد طال ، خاف من أن يتسرب الضعف والملل إلى نفوس
الصليبيين ، لذا أرسل إليهم يرجو قادتهم مواصلة حصار المسلمين ، وأكد لهم أنه
سيساعدهم بالإمدادات العسكرية والمواد الغذائية ، وكلّف سفراء مخصوصين بالعمل على
كسب قلوب قادة الصليبيين .
وبشيء من الأسى يقول المؤرخ الأستاذ جمال بدوي : لم
يجد الوزير الأفضل في الانتصارات التي أحرزها الصليبيون في آسيا الصغرى وإنطاكية
كارثة عامة حلّت بالمسلمين ، وإنما وجد فيها أمنية عزيزة هي تخليص الشرق الأوسط من
سيطرة الأتراك من أهل السنة والجماعة ، ولم يكتفِ هذا الوزير الخائن بموقف المتفرج
فقط ، ولا عرض التحالف مع الصليبيين ضد السلاجقة و المسلمين السنة فقط ، إنما وجه
طعناته إلى السلاجقة باحتلال عدد من المدن التي بحوزتهم وعلى رأسها مدينة صور ، أي
أن الأفضل بدلاً من أن يوجه جنوده وقواته إلى محاربة الصليبيين ، وجّهها إلى قتال
السلاجقة الذين كانوا منهمكين في قتال الصليبيين والدفاع عن المدن الإسلامية وهو
الذي نتوقع حدوثه ضد حماس بمجرد استقرار الاوضاع في مصر لمصلحة الوزير السيسي !! .
ويفجر الباحث الأستاذ يوسف إبراهيم مفاجأة إذ يقول
: كانت الدولة الفاطمية على علمٍ بأهداف الصليبيين وخطّ سيرهم حتى قبل وصولهم إلى
أراضي المسلمين ، فقد بلغ الصليبيون أهدافهم للوزير الأفضل ، فرماه بعض المؤرخين
بالخيانة .
ويقول ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) :
إن الوزير الأفضل لما رأى قوة الدولة السلجوقية وتمكنها واستيلائها على بلاد الشام
إلى غزّة ورغبتهم في احياء الدين ، ولم يبقَ بينهم وبين مصر ولاية أخرى تمنعهم ، خافوا
وأرسلوا إلى الفرنج يدعونهم إلى الخروج إلى الشام ليملكوه .
يقول ايضا ابن تغري : والعجيب أن الفرنج لمّا
خرجوا إلى المسلمين كانوا في غاية الضعف من الجوع وعدم القوت ، حتى أنهم أكلوا
الميتة في الطريق ، وكانت عساكر الإسلام (أي قوات الوزير الأفضل ) في غاية القوة ،
والكثرة ، ومع ذلك تركوا الصليبيين يقتلوا المسلمين ويمزقوا جموعهم .
و هكذا بسبب خيانة هذا الوزير الملعون ظلّت القدس
بيد الصليبيين ، إلى أن ارسل الله لمصر بطلاً من أبطال المسلمين ، هو صلاح الدين
الأيوبي الذي تمكّن من اعادة مصر عن غيها ، وضمها لمحيطها الاسلامي السني ، و بعدها
في سنة 583 هـ (1187م) تمكن من تحرير القدس
في معركة حطين الشهيرة ، استطاع ذلك بعد إصلاح ما افسده الوزير الأفضل الخائن
للدين والعروبة في مصر وبعض ضمائر شعبها هو واتباعه الذين ساروا على دربه من بعده .
وما أشبه الليلة بالبارحة .
حسام الغمري