الثلاثاء، 14 يناير 2014

دستور حصار شعب أبي طالب .. والاسلام الذي تسوقه الفنانات


فتاة تخلع حجابها وترقص في عرس استفتاء الدم 
وفنانه مُحجبه تمتدح وتسوق اسلاما جديدا يُريدوه لنا 
وتاريخ مجيد يأبى الا أن يُطل علينا بروعته الدائـــمة ليلهمنا

في السنة السابعة للبعثة النبويه اجتمع سادة قريش وكانوا ايضا رجال اعمالها لتدشين دستور جديد ظالم ، أبرموا فيه أنه على أهل مكة بكاملها في علاقتهم مع بني هاشم ما يلي :
أن لا يناكحوهم -لا يزوّجونهم- ولا يتزوجون منهم ، وأن لا يبايعوهم ، اي لا يبيعون لهم ولا يشترون منهم ، وأن لا يجالسوهم ، ولا يخالطوهم ، ولا يدخلوا بيوتهم ، ولا يكلموهم ، وأن لا يقبلوا من بني هاشم  ، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يُسْلموا رسول الله  ( ص ) لهم للقتل .
" أي أن السبيل الوحيد لفك هذا الحصار هو تسليم الرسول حيًّا ليقتله زعماء الكفر بمكة " .

وقد صاغوا الدستور هذا في صحيفة ، ثم علقوها في جوف الكعبة ، وقد أقسموا بآلهتهم على الوفاء بها ، وبالفعل بدأ تنفيذ هذا الحصار الرهيب في أول ليلة من ليالي المحرم في السنة السابعة من البعثة ، وقد دخل بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلى شعب أبي طالب وتجمعوا فيه ، ومعهم رسول الله ، وذلك ليكونوا جميعًا حوله كي يحموه من أهل مكة .


تحكي كتب التاريخ عن وفيات الاطفال من الجوع داخل هذا الحصار ، وعن صرخات النساء ، وعزم الرجال .
تحكي كتب التاربخ انهم صمدوا رغم انهم صاروا يتقوتون بأوراق الشجر . 
ولكن ذلك ليس أروع ما في هذه القصة .

يستطيع الانسان أن يفهم كيف صبر المؤمنين من بني هاشم دفاعا عن محمد ، وكيف يموتون هم واطفالهم دون تسليمه لأعدائه ، ولكن الأروع حقا ، هو ان كفار بني هاشم صمدوا ايضا ، فما الذي يحمل هؤلاء على تحمل سنوات من الموت جوعا والتهميش والاقصاء انتصارا لمبدأ ، فهؤلاء الكفار من بني هاشم كانوا يعتقدون ان من حق محمدا ان يروج لافكاره كيفما شاء مادام يفعل ذلك بطريقة سلمية ، حتى وان كانوا لا يؤمنون بهذه الافكار - ما اروعهم من قوم - ولم لا، وهم كانوا من أجل هذا المبدأ يضحون ، لم يفكروا انه ربما موت رجل واحد قد يحل المشكله وينقذ الاطفال ، والعجله تدور !!!
لم يقرروا التخلي عن المبدأ ، علشان البلد - مكه - تهدى !!! 
رفضوا تسليم محمد نزولا على رغبه ابو جهل وحلفائه من رجال اعمال قريش وبلطجيتهم !!!

قد يقول قائل : كانت هذه هي حميه الجاهلية والقوم كانوا يدافعون عن رجل منهم انتصارا للدم وصلة القرابة .

وهنا تتجلى الروعة الثانية في هذه القصة : 

انها تتمثل في شخصية هشام بن عمرو ، لم يكن من بني هاشم ، لم يكن ايضا ينتمي لقبيلة قوية ، والمدهش انه لم يكن ايضا على الاسلام ، بل تخبرنا كتب التاريخ انه لم يسلم الا بعد فتح مكه بسنوات ، فما هي الروعة في قصة هذا الرجل ؟ 

في ليلة من ليالي الحصار الجائر ، تساءل هشام بن عمرو في نفسه ، كيف يستمتع بطيب العيش هو واطفاله ، واطفال آخر يموتون جوعا ، قادته فطرته السليمة الي التسلل في الخفاء مرات ومرات آتيا بالطعام لهؤلاء المنبوذين من اعلام قومهم ، وبعد فتره قرر ان ذلك وحده لا يكفي ، اذ لا بد من فعل شيء يكسر هذا الجور الى الأبد . 

فكر الرائع هشام بن عمرو انه ان استطاع اقناع رجلا وحدا من أكثر قبيلة منافسة لبني هاشم ، سيكون قد أحدث ثقبا كبيرا في سفينه الحصار ، فاهتدى الى قبيلة بني مخروم ، وقد كانت هذه القبيلة التي يرأسها ابو جهل شديدة العداء لبني هاشم ، واختار منهم زهير ابن أبي أميه ، وصار لديه مذكرا اياه بتقاليد العرب الكريمة التي تأبى هذا الجور ، حتى استماله للقضية ، ولكنه طلب منه اقناع رجلا ثالثا فمواجهة ابو جهل ليست نزهه سهلة . 

لم يفكر هشام بن عمرو انه قد فعل ما عليه وكفى  ، لم يستسلم لليأس ، بل فكر في رجل ذي خلق وان كان على الكفر ، وكان المعطعم بن عدي ، الذي بدوره رحب ايضا بالأمر بشرط ان يجد هشام بن عمرو رجلا رابعا ينضم لدعوتهم . 

لم يدخل اليأس قلب هشام بن عمرو، ومن فوره ذهب يبحث عن رابع حتى وجده في شخص أبي البختري بن هشام ، ذهب إليه هشام وقال له مثل ما قال للمطعم وزهير .

فقال أبو البختري: وهل من أحد يعين على هذا ؟
قال هشام : نعم ، زهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدي، وأنا .
وكسابقه رد أبو البختري أيضًا بقوله : أبغنا رجلا خامسًا .

إنه في الحقيقة مجهود ضخم يقوم به هشام بن عمرو ، وهو ليس بمسلم ، وليس من بني هاشم  ، ولكن لشيء كان قد تحرك بداخله ، ولمشاعر كانت ما زالت نقية أصيلة ، هذا الشيء وهذه المشاعر نستطيع ان نجملها في كلمة واحدة تسمى ...
الاخلاااااااااااق . 

أسرع هشام بن عمرو من جديد وكله حمية يبحث عن خامس ، فاختار زمعة بن الأسود .

فقال له زمعة : وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد ؟
قال : نعم ،  ثم ذكر له الأربعة السابقين ، فوافق زمعة بن الأسود الأسدي .

اجتمع الخمسة رجال ، وأخذوا القرار الجريء الذي سيعارضون به أكابر القوم ، القرار الذي قد يؤدي إلى انقسام حاد في المجتمع المكي واحنا شعب وانتو شعب ، وايضا قد يؤدي إلى نصرة دين لا يقتنعون به ، يفعلون كل ذلك لشيء كان قد تحرك في صدورهم جميعًا ، إنها النخوة ، النخوة المتمثلة في أن تجد إنسانًا -أي إنسان- مؤمنًا كان أو كافرًا ، أن تراه يعذب ، أن تراه يظلم ، أن تراه يجوع أو يعطش ، ثم تقول بملء فيك : لا . 
 إنها النخوة التي زرعت في قلوب أناس ما عرفوا الله ، وهي نفسها (النخوة) التي لم نرها من مسلمين كثيرين ، قد رأوا بأعينهم ما يحدث للمسلمين في مصر وسوريا ، وليس فقط يصمتون ، بل يعينون الظالم ويمتدحوه !!! 
وها قد جاء على المسلمين زمان نرجو فيه أن تكون أخلاقهم كأخلاق الكافرين؟!
إننا حقا نحتاج إلى وقفة مع النفس !


اجتمع الرجال الخمسة واتفقوا على القيام بنقض الدستور الجائر .  
قال زهير: أنا أبدؤكم فأكون أول من يتكلم .

ولما كان الصباح ذهبوا إلى المسجد الحرام ، ونادى زهير على أهل مكة فاجتمعوا له ،
فقال : يا أهل مكة ، أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى ، لا يباع ولا يبتاع منهم ؟! والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.
هنا قام له أبو جهل زعيم مكة وقائد جيشها ، قام يرد عليه وكله حماسة وغلظة . 
فقال : كذبت ، والله لا تشق .
فقام زمعة بن الأسود وقال : أنت والله أكذب ، ما رضينا كتابتها حين كتبت .
ثم قام أبو البختري بن هشام فقال : صدق زمعة ، لا نرضى ما كتب فيها ولا نقرّ به .
ثم قام المطعم بن عديّ وقال : صدقتما وكذب من قال غير ذلك  (يقصد أبا جهل) ، نحن نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها .

وهنا قام الرجل الخامس هشام بن عمرو ، الذي جمع كل هؤلاء فقال مثل ما قاله المطعم ، وصدّق المطالبين بنقض الصحيفة .
وقد حدث كل هذا في دقائق معدودة ، ووجد أبو جهل نفسه محاصرًا بآراء خمسة من الرجال ، حينها أدرك أن هذا لم يكن قدرًا ولا مصادفة ،.
فقال : هذا أمر قُضِي بليل .

وكشأن الدنيا دائما ، حين تجتمع القلوب النقيه وتبدأ في الفعل تأتي معيّة الله ونصره .

أصبح الموقف متأزمًا ، فإذا كان رقم الخمسة رجال كبيرًا ، فإن على الناحية الأخرى أبا جهل ، وهو زعيم مكة وقائد جيشها ، ومعه كثير جدًّا من زعمائها ورجال اعمالها ، ومن هنا فقد لاح في الأفق بوادر أزمة ضخمة ، لكن الله أراد أن تنتهي هذه المعضلة ويفك الحصار ، فحدث أمر آخر قد تزامن مع هذه الأحداث ، فقد أوحى الله إلى نبيه أن القرضة (دودة الأرض) قد أكلت الصحيفة ، ولم تترك فيها إلا ما كان من اسم الله . وبنبأ القرضة أخبر رسول الله عمه أبا طالب ، فما كان منه (أبي طالب) إلا أن أسرع إلى نادي قريش ، وهناك رأى الحوار الذي دار بين الرجال الخمسة وبين أبي جهل ، ولما انتهوا من حوارهم تدخل أبو طالب في الحديث .
وقال : إن ابن أخي قال ان القرضة قد أكلت الصحيفة ، فإن كان كاذبًا خلينا بينكم وبينه ، وإن كان صادقًا رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا بدستوركم الجائر .
قال زعماء قريش في المسجد الحرام : قد أنصفت يا أبا طالب .
وذهبوا إلى الصحيفة في جوف الكعبة ، فإذا هي تمامًا كما ذكر رسول الله ، أُكلت بكاملها إلا ما كان فيها من اسم الله : "باسمك اللهم"، ظلت آية واضحة .

هنا لم يعدْ أمام زعماء مكة أي خيار، لم يجدوا بدًّا من نقض هذا الدستور  وإنهاء المقاطعة بعد ثلاث سنوات كاملة كانت قد مرت من الحصار والتجويع والاقصاء والقتل والتشويه .

تذكرت هذه القصة وقد امتلأت نفسي غيظا حين رأيت فتاة ترقص ابتهاجا بدستور أشبه بصحيفة ابو جهل ، وفنانه تسوق لاسلام آخر جديد ليس فقط كالذي نعرفه ، بل يبتعد عن اخلاق عرب الجاهلية لأذكر نفسي أنه :  

لحكمة كان يعلمها الله شاء أن يتأخر هذا الإنقاذ إلى مدة ثلاث سنوات ، ولو شاء سبحانه لحدث مثل هذا الاجتماع من الرجال الخمسة أو من غيرهم بعد شهر واحد أو شهرين من بداية الحصار ، لكن كان هذا التأخير مقصودًا ، لقد خرج المؤمنون من هذا الحصار أشد شكيمة وأعمق إيمانًا وأقوى تمسكًا بدينهم وعقيدتهم ، لقد وقع الابتلاء والامتحان ، ونجح المؤمنون فيه ، فإنه لا بد أن يثبت الصادقون صدقهم بالتعرض للبلاء والثبات على الحق .
فقد قال الله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ} [الرعد: 17].

لا بد أن يُصهر المؤمنون في نار الابتلاء للتنقية وللتربية وللتزكية ، للتنقية من الكاذبين والمنافقين ، وللتربية على الثبات والتضحية في سبيل الله ، وللتزكية لتطهير النفوس من الذنوب والخطايا .

ومن هنا كان هناك الحصار ، ومن قبله كانت الهجرة إلى الحبشة ، ومن قبله كان الإيذاء والتعذيب ، وكل هذه مراحل تربوية غاية في الأهمية ، حيث صنعت جيلاً من الصحابة يستطيع أن يواجه الأهوال دون أن تلين له قناة ، أو تخور له عزيمة ، أو يهتز له قلب أو عقل أو جارحة .
{صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: 88] 

وما أشبه اليوم بالبارحة 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق